كيف نعالج الغفلة عن الله و كيف نشعر بمراقبة الله

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
كيف نعالج الغفلة عن الله ؟
وكيف نشعر بمراقبة الله ؟
وهو إجابة عن أسئلة:
لماذا يقع كثير من المسلمين في الغفلة ؟ لا نراقب الله؟ لماذا لا نخشاه ؟
كيف نستطيع أن نوصل الناس إلى اليقظة والمراقبة والخشية؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
     السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد:

اعلم أيها الأخ الشفيق أن علينا أن نعظ الناس ونذكرهم، ونقيم الحجة عليهم، ( معذرة إلى ربكم ) لكن لا تشغل نفسك بالحزن عليهم ( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) (سورة فاطر: 8) ، فكل ينفع نفسه أو يضرها (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (سورة فصلت: 46)، (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (سورة الأنعام: 104).
والواجب تذكير الناس، عموماً، بالله، وبصفاته، وأنه العظيم، وأنه الحبيب الأحق بالحب، وأنه صاحب الفضل المستحق للشكر، وأنه الحكم المستحق لأنه يحكم في عباده ما شاء، وأنه أرسل رسوله ليبلغنا أحكامه، وأقام الحجة على صدقه بالمعجزات، وأن على الناس أن يتعلموا أحكام ربهم هذه، وأنه إلى الله المآل والمرجع، وأنه يجب عليهم أن يخافوا من ربهم ويعظموه، وأن يحبوه ويرجوه ويرجوا مغفرته وعطاءه وإحسانه وهدايته.
فوظيفتنا التذكير، وكلما أحسنّا التذكير وأكثرنا كلما كانت النتائج بإذن الله أعظم، بشرط الحكمة ووضوح المعنى والحجة والدليل.
وما ذكرتَه من حال الناس يوجب تذكيرهم بأمور:
الأول: عظمة الله وحقه علينا.  وأهم ذلك مفصل في الملف المرفق.
الثاني: حقارة الدنيا وأنها أهون من جناح بعوضة، وأن علينا أن لا نأخذ منها إلى حاجتنا وما أمرنا الله به لأنفسنا وأهلينا ومن ولانا الله عليهم ونأخذ منها ما تحتاجه أمتنا ونصرة ديننا، وتفصيل ذلك وأدلته أيضاً في الملف المرفق.
وكلما تذكر الإنسان هذه الحقائق كلما ولدت في نفسه توجهاً صحيحاً، ويمكن تذكرها من خلال القرآن والذكر والصلاة والصحبة الصالحة كما تجد في مقال ( صلاح القلوب) والذي وضع رابطه على الصفحة الرئيسية قبل أسابيع، فقد بينت علاقة هذه الأمور بالتذكير وصناعة الصفات والأحوال الصحيحة في القلب.
وإذا كان سلفنا قد قالوا: ذهب الذين يعاش في أكنافهم، فماذا نقول؟
ولكن لا تخلو الأرض من صالحين، فابحث، فإن وجدتهم فاحرص على صحبتهم، وكن مذكراً لغيرك، كما يذكرك غيرك.
وحتى يخرج الناس من حالة الغفلة إلى المراقبة لا بد أن نذكرهم كثيراً بأن الله سميع بصير رقيب عليم خبير، نذكرهم بمثل قوله تعالى: ( لا تخفى منكم خافية )، } ألم يعلم بأن الله يرى {، } الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين { ، } وهو معكم أينما كنتم {، } مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {، } إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء { } يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور { .
... وبقدر هذا التذكير والتنويع فيه؛ بقدر ما يأخذ مأخذه إلى القلوب إن شاء الله فيغير مجرى الحياة ويغير أحوال القلوب إن شاء الله .
نذكرهم أيضاً بأن مراقبة الله مطلوبة لتحصيل التقوى قال r : » اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن « رواه الترمذي وأحمد وهو حديث حسن صحيح كما قال الترمذي .
والمراقبة التي تورث المحافظة على أمر الله سبب في رعايته وحفظه لعبده وولايته قال صلى الله عليه وسلم: » احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تُجاهك « رواه الترمذي وقال حسن صحيح .
شدة المراقبة تورث الخوف من الذنب والحذر منه والبعد عنه : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : » إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله r من الموبقات « رواه البخاري ، أي المهلكات ، وهو يتحدث مع التابعين ، فكيف لو رآنا ورأى زماننا .
وبالمراقبة تكون أفضل الناس وأرقاهم تكون من أهل الإحسان، والإحسان : أن تفعل الأحسن في كل شيء، في فكرك واعتقادك، وفي قولك، في عملك، في أخلاقك، ... والله ذكر لنا أوصافاً من أوصاف أهل الإحسان ثم قال : } والله يحب المحسنين { لكن النبي r لم يعرف الإحسان بأوصافه ، بل عرفه بالوسيلة والطريقة التي تؤدي إليه ؛ وهي المراقبة : » أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك « .
تخيل وتذكر أنه يراك ، فإن ضعفت عن ذلك فتخيل تخيلاً يوصلك ويسهل عليك ذلك : » استحيي من الله استحياءك من رجل من أهلك « صححه الألباني،
وحتى تقوى عندك المراقبة فلا بد أن تستعمل هذه الطريقة، أن تتخيل أباك أو شيخك أو رجلا ذي هيبة من قومك، كيف تتأدب معه، فليكن تأدبك مع الله مثل ذلك على الأقل.
تخيل أنك مع ملك أو وزير أو شرطي أو مع والدك أو جدك أو شيخك أو شيخ كبير القدر تعظمه … فكيف تفعل في صلاتك ، كيف تفعل وأنت في عملك : مدرستك مصنعك … ، كيف تفعل في تعاملك مع أهلك … كيف تصنع عند غضبك …
تخيل لو أن رسول الله يراك في صلاتك في مجالسك، في جلوسك على التلفاز، في معاملتك لأهلك وأولادك، في درسك ... في كل حالاتك، فكيف ورب رسول الله يراك في كل حين ويسمعك ويحصي عليك وسيحاسبك.
تخيل كمرة خفية كيف تخجل منها ومن الناس ومن فضيحتها، لو صورتك على حال سيئة، فكيف والله يستنسخ ما كنا نعمل.
تخيل ملك البلاد معك في بيعك وشراءك كيف تحسن البيع والتعامل مع الناس، فكيف ورب الملك معك في كل حين.   
والمراقبة لله تحتاج إلى تذكر وذكر ، وتحتاج إلى معرفة الله وقدره وتعظيمه ، وأعظم سبيل لمعرفة الله تعالى تلاوة كتابه وكلامه بالتدبر والتفكر ، فقد ذكر أسماءه كثيراً في كتابه } والله سميع عليم { } وهو الغفور الودود { } والله تواب رحيم { … فاقرأ آياته واربط بين أسمائه في نهاية الآيات وما يذكره في تلك الآيات لتتعرف على فعل الله وتستدل بفعله وقدرته عليه .
حتى تظهر آثار المراقبة في العقائد الأحسن وفي الأدب مع الله وفي حسن العبادة وفي صدق المعاملة وجمال الأخلاق والسلوك وفي الحرص على اتباع النبي  صلى الله عليه و سلم وفي الهمة العالية في الطاعة والدعوة إلى الله.

ـ واعلم يا أخي أن الغفلة هي مرض قلبي وهي مشكلة أكثر الناس : ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179] فالغفلة سبب في الضلال الذي يوصل إلى جهنم، كما بينت الآية، والغفلة المقصودة هنا الغفلة عن التوحيد وأصل الإيمان، لكن مشكلة أكثر المسلمين أنهم مع إقرارهم بالتوحيد والإيمان غافلون عن حقائقه.
والغفلة غفلتان:
منها غفلة عقلية: وهي غفلة عن استعمال العقل أصلاً فلا يعرف الحق ولم يستعمل عقله ليعرفه، ولا أشغل عقله بالتفكير فيه ولا البحث عنه ولا سماع من يحدِّث بالحق،
ومنها غفلة قلبية: وهي الغفلة عما عرف من الحق، فهو يعرف الحقائق لكنه لم يتذكرها وتناساها وتشاغل عنها.
علاج هذا المرض:
الخروج من الغفلة التي توصل إلى الكفر يكون بالتذكر للحقائق الكبرى التي يجب أن تُعتقد، لذلك ينبهنا الله كثيراً إلى التذكر بقوله: ﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة هود: 24]، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [إبراهيم: 25]، ﴿ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 3]، ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [الدخان: 58]، والآيات من مثل ذلك كثير، وهي تشمل التذكير العقلي والقلبي، لتُعرِّف بالحقائق من لم يعرفها ولم يفكر بها، ولتُذكِّر قلب من يعرفها وينساها.
والإنسان الذي لا يستعمل قلبه في التذكر فكأنه من غير قلب، قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، وهل تجد أحداً لا يستعمل يده أو عينه أو أذنهذ ؟ ولو لم يستعملها لربما فاته بعض الفوائد، لكن الذي لا يستعمل قلبه تفوته كل الفوائد، فهو أعجب من ذلك، فإن القلب أهم ما في الإنسان ففيه عقله وعواطفه وتوجهاته وإرادته وخواطره، وبه نجاته أو هلاكه.
والقرآن والسنة ذكرا بعض أعضاء الإنسان مرات قليلة، بينما ذكرا القلب مئات المرات، تنبيهاً إلى أهميته.
والتذكر لا يمكن أن يكون بلا إنابة ورجوع إلى الحق، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ ﴾ [غافر: 13]، وقال تعالى بعد أن ذكر بعض الآيات الدالة عليه في الكون: ﴿ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ﴾ [ق: 8]، وقد أنزل الله القرآن ليذكرنا ويخرجنا من غفلتنا فمن قرأه متدبراً متفكراً منتبهاً بقلبه تذكر، قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 2] ، ولا يمكن أن يتذكر القلب ويخرج من غفلته حتى يخرج العقل من غفلته لذلك كانت الذكرى القلبية مختصة بأهل الإيمان ومن قصد الإيمان بالحق، قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [العنكبوت: 51].
ـ ومن أهم أسباب الغفلة حب الدنيا والانشغال بها عن الحق:
وحبَّ الدنيا إذا تمكن من القلب يمكن أن يصل إلى حدِّ يُعْرِضُ بسببه الإنسانُ عن الله وعن الآخرة، فيصل إلى الكفر الإنكار والإعراض من شدة تعلقه بالدنيا وشهواتها من مال وجاه ولذات، فلا يطلب هداية ولا يهتدي، ولا يلتفت إلى تذكير ولا يفكر، قال تعالى: ﴿ مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [النحل: 106-108]، ومحل الاستحباب هو القلب، فكانوا كافرين وغافلين بسبب تقديم الدنيا على الآخرة وحبها أكثر من الآخرة.
وعلاج ذلك: بأن نكثر من تذكير هؤلاء بقيمة الدنيا الحقيقية، وأن ما فيها من شهوات ولذات وزينة فانية، ونذكرهم بأن يتفكروا في حقيقتها، وأنها إلى فناء وانتهاء، وأنها محل عمل لا جزاء، وأنها محل اختبار وابتلاء، وأنها توصل إلى محل الجزاء والحساب والبقاء، ونذكرهم ـ مرة بعد مرة ـ أن الأمل لا يزيد في العمر، وأن الموت قد يأتي في كل لحظة، فواجبنا الاستعداد التام له.
وتفصيل شأن الدنيا والنظرة إليها والتعامل مع الكون، من زهد أو رغبة، تجد تفصيل ذلك في الملف المرفق.

  أسأل الله أن يجعلني وإياك وإخواننا القارئين والمسلمين جميعاً  من أهل الآخرة، والمراقبة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.   

 

Go to top